صراع في بركة الماء

ثلاثاء, 12/23/2025 - 16:23

 

وليد كريم الناصري

 

وبينما كانت الأرض تستقبل حبات المطر بلهفة وشغف,

تروي ضمأ جوفها ، وتملأ ثقوب بيوت النمل بالوحل

كان هناك إبليس جالس متكأ على جذع نخلة ركنتها الأيام والسنون متهالكة بين كثبان الرمل وحشائش الأرض ..

كل شيء كان كما أرادت الطبيعة وهذا ليس اعتراف بالالحاد ونكران للخالق بل هو إذعان بأن الله جعل الأسباب لمسبباتها ..

خرج ثعلب من وكره لعله يجد طيرا او اي فريسة انهكتها زخات المطر القوية لتكون سهلة الاصطياد بين مخالبه وفكيه ..

الثعلب قد ابتل كثيرا ولم يجد ضحيته بعدما اخذه التعب وبرودة الارض والهواء العاصف

أختبئ وراء شجرة واحتمى بجذعها يتأمل ماحوله ..

رأى رجلا قد احتطب بعض الاغصان الميتة المتدلية ولأن المطر ادركه أخذه التعب والشقاء في جمع تلك الاعواد والاغصان المبللة بالماء وعندما جلس ذلك الرجل ليستريح ويحتمي بين الاشجار عن المطر غفل قليلا

فتسلل إبليس وسرق الفأس التي كانت الى جنبه دون أن يشعر وأختفى ابليس بين الاشجار بعد إن رمى الفأس بعيدا عن الرجل ..

كان الثعلب يراقب المنظر ولكن لا طاقة له على التحدث مع الرجل فأكتفى بمراقبة ماسيحدث ..

انتبه الرجل المسكين بأنه أضاع الفأس وراح يبحث من حوله وكأنه فقد أعز ممتلكاته

وللأسف لم يجده

بدأت ثورة خلايا جسده تتفجر وملامح وجهه وحركات جسده ترسم معالم الانفعال

وكلما مرت دقيقة لم يجد بها الفأس زاد انفعاله أكثر فأكثر

ومن شدة إفراطه وعدم سيطرته على نفسه بدأ يصارع نفسه في الارض وكأنه يمر في حالة عصبية قصوى وكانت بركة ماء تحته

فبدى وكأنه يصارع انسان أخر متعلق بأطرافه ولكن لا يٌرى

بقي الرجل يصارع نفسه في بركة الماء لدقائق طويلة حتى ابتلت وجهه ولحيته وجسده بالطين والوحل والماء

بدأ يرتجف من شدة البرد وترك الاغصان المحتطبة المبللة وراح ماشيا نحو القرية وهو محمل بالحزن والانفعال والاطيان

وبمجرد ان تحرك خطوات رأى الفأس في طريقه فندم ندما شديدا على مافعله بنفسه وجلس يبكي بكاء عالي ويصرخ وكأنه يندب حضه العاثر

ثم اخذ الفأس وأنصرف

وهنا خرج الثعلب من مكانه وراح ليبحث عن أبليس اللعين ليوبخه ويعاتبه على ما فعل بالرجل ..

وبمكان أخر وجد ثعلبا اخر يصارع نفسه في بركة ماء تحت الشجرة

فصرخ به توقف

ماذا اخذ منك ابليس لتصارع نفسك في الوحل هكذا ..؟

قال لم أرى أبليس ولم يأخذ ابليس شيئا ولكني فقدت فريسة اصطدتها ووضعتها هنا

غفلت عنها لحظات فلم اجدها

فقال: وهل اذا صارعت نفسك ستجدها قال لا ولكن هي فرط عصبيتي وأنفعالي

ولعلي بتلك الحركات الانفعالية اتذكر المكان الذي وضعت الفريسة

فقال له: إنك لم تضيعها بل اخذها أبليس

إهدأ وأبحث عنها بهدوء وستجدها بالقرب من مكانك هذا

ولا داعي لهذا الانفعال والعصبية الغير مبررة

فنطق أبليس من خلف الثعلبين وكان يسترق السمع في حديثهما

وقال : اما الثعلب فلم أكن المذنب بل سرق طعامه حيوان أخر..

والى هنا نستطيع أن نختزل قصتنا الخيالية هذه بقول النبي الاكرم ص (الحليم من يملك نفسه عند الغضب)

وإن مصارعة النفس بالانفعالات الغير مبررة وبحجة العصبية

ماهي الا صور كان الشيطان من وراءها وما بعد ذلك أن لا تحكم على الأشياء بما تراه من معطيات تجدها قريبة لواقع مايحدث ولا تتهم المتشابه حتى تراه فلكل حادثة حديث ولكل مقادير أسبابها ولا تقاس الأمور بما قبلها ..

والسلام

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف