حين جلس ابليس جانبا

اثنين, 09/01/2025 - 20:34

 

ولاء العاني

مرّت عشرة أعوام ، وأنا أرافق كل يوم تقريبًا قصة من قصص الفشل الإنساني . عشرة أعوام من المعايشة، لأخطاء البشر. نحن، أبناء المجتمعات الإسلامية، من يُفترض بنا أن نحيا بأخلاق الدين، أو على الأقل بما تبقى من ميراث القبائل والشيوخ . لكن ما نعيشه اليوم أبعد ما يكون عن ذلك. قلوب تحكمها المشاعر المريضة، وأرواح مسكونة بالانتقام .

 

كم مرة تمنيتُ لو انفصل زوجان بهدوء؟ كم مرة تساءلتُ: ماذا لو تركوا لبعضهم صورة طيبة؟ ذكرى نقية؟ نحن بشر، نخطئ ونصيب. نحمل في دواخلنا الحسنات والعيوب، فلماذا هذا الإصرار على التشويه؟ رأيت نساءً يلبسن الخبث كعباءة، يدفعن أزواجهن لترك بلاد اللجوء لأجل مصالح ضيقة، أو فقط نكاية. وأخريات يرمين بملابس أزواجهن في حقائب قذرة، إهانةً لا فُرقة. ورجالًا لا يترددون في انتزاع أطفالهم من أحضان أمهاتهم، بذريعة أنهم الأجدر برعايتهم .

 

أو يمنعون زوجاتهم من إعانة أهلهم ببضع دراهم، تنقذ أسرة كاملة تحت رماد الحرب والجوع، فقط لأن "الرجولة" عندهم تقاس بالمنع والتحكم. رافقت يومًا شابًا وسيمًا، اشتكى من زوجته "المبذرة" التي لا تعرف كيف تدير مالها. صوّرها على أنها طفلة تلهث خلف العروض والشراء الأعمى. لكني اكتشفت لاحقًا أنها لا تعرف حتى ما تتقاضاه العائلة من الدولة، ولا كم يُصرف من حسابهم المشترك. أما هو، فكان يُنفق بلا وعي، فقط ليُرضي عائلته "الكبيرة"، ويقتطع اللقمة من افواه أولاده ليُطعم أخواته الكبار، متهمًا زوجته بالتبذير . كذبة يُخفي بها أنانيته.

 

في خضم كل هذا قال البعض ساخرًا: جلس إبليس جانبًا، متعجبًا من مكر هؤلاء! وأنا؟ أنا لم أقرأ عن هذا المكر فقط . أنا عِشتُه. شهدتُه. رأيته بعيني، في وجوه من يشبهوننا. شياطين بشرية تتفوق على إبليس في الحيلة والتمويه. تبين لي ان الشر لا يعيش في الأساطير فقط، بل يتجسد كل يوم في قراراتنا، في علاقاتنا، في طريقتنا في الانتقام بدل الإصلاح، وفي خوفنا من أن نكون طيبين لأن الطيبة تُفسَّر ضعفًا. لكن من قال إن الحقد قوة؟ .. ومن قال إن الأذى رجولة أو انتقامًا مقدسًا؟ ربما . ربما لو جلس كلٌّ منا مع نفسه قليلًا، لاكتشف أن "كبر إبليس" ليس في مكره، بل في غرورنا نحن . في شعورنا بأننا على حق، دائمًا، حتى حين نظلم .

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف