
في سياق وطني يتسم بتكثيف الجهود التنموية، يواصل فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، تدشين المشاريع الحيوية التي تمسّ حياة المواطنين بشكل مباشر، من طرق وبنى تحتية وخدمات أساسية، في إطار رؤية تعلن الانحياز للتنمية المتوازنة وفك العزلة عن المناطق المهمّشة. وقد شكّل تدشين الطريق الأخير خطوة مهمّة في هذا المسار، بما يحمله من دلالات اقتصادية واجتماعية، ورسائل إيجابية عن حضور الدولة وحرصها على ربط الداخل بالمركز.
غير أن ما كان يفترض أن يكون لحظة احتفاء بإنجاز تنموي، تحوّل في الشكيك إلى مرآة صافية لفشلٍ مركّب؛ فشلٍ لم يبدأ في لحظة الوصول، بل سبقها بكثير، حين اختلط القرار بالارتجال، وغاب العقل وحضر الصراع، وتقدّمت الأنانية على أبسط قواعد التنظيم واللياقة. كان المشهد مرتبكًا، متنافرًا، كأن المكان نفسه يرفض ما فُرض عليه قسرًا، وكأن الأرض التي لم تُهَيَّأ للاستقبال قررت أن تفضح من اختاروها.
فالموقع الذي تم فيه الاستقبال ليس موقع استقبال، لا في معناه الرمزي ولا في شروطه العملية. لا فضاء يليق، ولا ترتيب يضبط، ولا مسرح يُبرز الحدث، بل نقطة عابرة جرى تحميلها أكثر مما تحتمل. هنا سقط أول الامتحان: كيف يُستقبل رئيس دولة في مكان لا يستقبل حتى مناسبة عادية؟ وكيف يُراهن على الارتجال في لحظة يفترض أن تكون محسوبة بالدقيقة والصورة والانطباع؟
لكن الفشل الأكبر لم يكن في المكان وحده، بل في البشر الذين تنازعوا عليه. صراع عبثي داخل حزب الإنصاف في المنطقة، صراع بلا رؤية ولا هدف سوى تسجيل النقاط، وتصفية الحسابات، وإقصاء هذا، وتلميع ذاك. تحوّل الحدث الوطني إلى ساحة شدّ وجذب، واختُطف المعنى لصالح نزوات ضيّقة.
كان التنظيم غائبًا كليًا، أو ربما طُرد عمدًا. تدافع، فوضى، وجوه متوترة، وأجساد تتزاحم في غير موضعها، حتى بدا المشهد أقرب إلى رفض استقبال منه إلى استقبال رسمي. لا احترام للبروتوكول، ولا تقدير للمقام، ولا وعي بأن الصورة التي تُلتقط في مثل هذه اللحظات تبقى أطول عمرًا من الخطب والشعارات.
هكذا خرج الرئيس من بين “أحذية متعاكسة”، كل واحد منها يمشي في اتجاه، لا يجمعها هدف ولا توحدها رؤية. أحذية تبحث عن موطئ قدم في الصورة، لا عن معنى الحدث، ولا عن مصلحة المنطقة، ولا عن كرامة السياسة. والنتيجة كانت صورة مشوّهة، ورسالة سلبية لا تعكس حجم الجهد الرئاسي ولا قيمة المشروع المدشّن.
إن ما جرى في الشكيك ليس حادثًا عابرًا، بل إنذار صارخ. إنذار بأن الصراع الداخلي، حين يُترك بلا ضوابط، يبتلع كل شيء: التنظيم، والهيبة، وحتى الفرح بالمشاريع التنموية. وإنذار بأن من يعجز عن تنظيم استقبال، سيعجز عن الإقناع، وسيخسر ثقة الناخبين قبل أن يخسر المناسبات.
لقد فشل الاستقبال لأن النيات كانت متفرقة، والأحذية متعاكسة، والاتجاه واحد فقط: نحو الفوضى. وفي مثل هذه اللحظات، لا يُهان المكان وحده، بل تُهان السياسة نفسها.
بقلم سيد المختار ولدبون


















