
محمد يحيى ولد العبقري
بعد ما عَشَشَ الفسادُ وباضَ وفَرَخَ وعبث بمقدرات البلد بدأ القائمون علي الشأن العام التفْكيرَ في ردةِ الفعل المناسبة لوأده أو الحد من أثاره لكي لا يظل عائقا أمام التنمية الاقتصادية المنتظَرة بعد كشوفاتٍ مهمة لمعادن ثمينة وغازٍ أيضا.
ابتِداءً تم التفكير في وضع قوانين كافَّة ومانعة تبيِنُ العقوبات المتربةَ علي المساس بأموال وثروات الشعب التي من خلالها يتم تنفيذ البرامج التنموية سعيا لإقلاعٍ حقيقي يحُدُ من دناءة الخدمات الأساسية التي يتطلب تنفيذها أموالاً معتبرة.
ورغم كوني غير مطلعٍ جدا علي تلك الملفات إلاّ أنها بالجملة تعمل لصالح استمرارية الأمانِ لثروات البلد بحيث نستفيد نحن منها ونترك للأجيال المقبلة دفعا يتابعون من خلاله التنمية الوطنية ضمن تكاملٍ في الأدوارِ يُكمِلُ القادِمُ الفائِتَ بعيدا عن التنافر حيث الهدفُ واحدٌ .
فتم تنظيم قدرٍ كبيرٍ من التحسيس بخطورة أكْل المالِ العام وأنه جعْلٌ للنّار في الجوْفِ ولا ينفع فيه عفوٌ ومسؤولٌ عنه اليوم الموعود.
وفى مقام آخر نُظِمَتْ ورشاتٌ وأيامٌ تفْكيريةٌ حول الحكامة الرشيدة وقيم ببعضِ الإجراءات المتعلقة بالتسديد والتوجيه والإنذار والعقوبة لكن هذا لم يعطِ الثّمرة المرجوةَ وإن كان خفّفَ .
هذا الواقع ولّد حيرة عامة حيث لا تنفع عقوبة ولا إرشاد ولا موعظة فلقد فُطِرَ النّاسُ علي الغرام بمالِ الدولة كونهم لا يبصرون تصميما علي مقاضاتهم وإنفاذ الحقوق .
إن ميل المرء للثري من خلال كنوز الدولة مبَرَرٌ عندهم بأكثر من منطقٍ فقد تعلمنا من دروس الثانوية والفلسفة خاصة أن الإنسان بطبعه نزٌّاعٌ للمجهود الأدنى ’ فاستجماع المالِ من ميزانية القطاع العام أيْسرُ من أي صُنْعٍ آخر أكان فلاحة أو تجارة أو نجارة أو صيدا’ فهو لا يكلفُ سوى بعض المَران علي شكليات احْتِجابِ المعلومة المفيدة فيكون الظاهر شفافا لكن به زَيْفٌ كثيرٌ.
وساعد علي تفشي الظاهرة أن الضمير الجمعي للأمة عامِرٌ بعدم هيبة كل مالٍ نفعُه عامٌ فهو في نظرهم مال ( هوْش) لا تَبِعة جنائية فيه كون المرء له قسمة منه فيعبثون فيه كما يفعلون بأوقات الدوام لا يكترثون بشيءٍ في اخْتلالٍ شبه مباحٍ.
وبدل أن يخدمَ الموظفُ المواطنَ بقوم الأخيرُ بخِدمة الأولِ حيث لا يقابله في مهمة تخصه ُ المواطن يخدم الأخير الأول حيث لا يقابله دون تدخل طرف ثالث و‘ن تم دون تدخل طرف ثالث وليلقاه عابِسا لا يُظهر الإنصاتَ .
ويقع الخلط بين سوء التسيير والأخطاء من جهة والاستحواذ علي المال العام من دون وجه شرعي من جهة أخرى يفِ الكثيالوطنية لمواجهة الظاهرة44بينما الواقع أن الجميع شبه سيان.
وبعض الأحيان يتم الإنفاق من ميزانية السنة المقبلة التي قد لا يكون وقت حلولها الموظفُ بنفس القطاع وعند التحويل(بحسب الأخبار) يُقامُ بما يحلومن الترقيات والصرْفِ بتواريخ ما قبلية ما يُصعِبُ علي من يَعقبُهم الاضطلاع بدورهم ويجعل القطاع موحلاً ميزانويٍا .
وأما المجتمع المفترضُ أنه مراقبٌ فتتغلغلُ فيه عدوى اللاّمبالاة بالهم العام ليصبح جبلية فيه ما ساعد علي انتشار الفساد عموديا وأفقيا.
وتنظر الأمة إلى أن من يستطيع المراوغة و التلاعب بالمال العام والخلاصَ من المتابعات ’تري أنه بطلٌ باسلٌ (أفكراشْ)في حين يكون المستقيمُ عديمَ أو ضعيفَ الشخصية وصالحاً من الصالحين (إروح للجنة مروح أبيظ)...
ويزيد الأمر سوءً عدمُ إلزامية الجدارة في الترقيات فتتم بالبناء علي مصالح أو قربى أو جوار وحتى رابط سياسي فيكفي فقط أن صاحب القرار لديه الأهلية القانونية للتعيين .
هذا الوضع الطالح ليس بحاجة للتعبئة فقط بل يتطلب حوارا وطنيا يجمع الساسة والأجَراء والمثقفين والقمة والقاعدة يخرجون منه بمقترح قانون عقاب فَعّالٍ حول المساس بالمال العام على أن لا تكون فيه رحمة لأي كان .
عندما يتمُ إرشادُ مال البلد للمصالح الوطنية فسنُبصِرُ تغييرا جذريا في كل شيءٍ :الطرق المعبدة من مستوى جيدٍ وستُباحُ زيادة رواتب التعليم والصحة والجيش ويُعمم التأمين الصحي مع مجانية التعليم ويومها تقل رحلات الاستشفاء للخارج ويعم الشعور بالاغتباطِ الجميعَ .
فهل نتمكن من الوقوف في وجه الفساد بعدما عَشَشَ وباضَ وفرَخَ ؟
