أنين العقول الساهرة

سبت, 08/02/2025 - 12:39

 

 

محمود الجاف

 

 

 

في هذا العصر المتخم بالضوء الأزرق، يشكو الناس من الأرق وكأن النوم خذلهم . لا يدرون ان الخذلان جاء من أيديهم ، حين أمسكوا شاشات مضيئة وبسطوا لها أذهانهم كأنها مائدة مفتوحة بلا حراسة . لان تعب الجسد لا يعني راحة العقل . والنوم لا يقنع بالعيون المثقلة فقط، بل يطلب عقلًا ساكنًا، ونفسًا راضية، وقلبًا غير مثخن بالصور المتتابعة والمنشورات الصاخبة . لان الدماغ البشري، كما يقول علماء النفس العصبي، لا يُفرّق بين ما يُرى على الشاشة وما يُعاش في الواقع . لانك كلما مررت بإصبعك فوق شاشة هاتفك، فإن عقلك يعيش حياةً كاملة داخل تلك العوالم . يفرز الأدرينالين حين تصلك رسالة، ويشحذ انتباهك حين ترى خبرًا، ويشوش هدوءك حين تقرأ سطورًا لم تُكتب لك .

 

 

هل من الصحيح أن ترهق نفسك طلبًا للراحة ؟ 

 

وأن تبحث عن النوم في ذات الجهاز الذي يملؤه الضوضاء؟

 

 فقد صرنا كمن يحاول إطفاء النار بالنفخ!

 

 

ان الراحة لا تأتي بالمزيد، بل بالانسحاب . والهدوء لا يسكن الزحام، بل يهرب منه. إن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يثبط إفراز الميلاتونين، هرمون النوم . والتعرض المستمر للمحتوى المثير يحفّز الجهاز العصبي ويجعله في حالة تأهب لا تهدأ . والدماغ لا يستطيع التفرقة بين الخطر الحقيقي وما يرى على الشاشة فيظل حارسًا مستيقظًا حتى بعد إغلاق الهاتف . فيا من تتقلب في فراشك ليلًا، سل نفسك :

 

 

هل منحت عقلك إذنًا بالهدوء؟

 

هل أطفأت الشاشات كما تطفئ الأنوار؟

 

هل غسلت عقلك من أخبار العالم ؟

 

السعادة لا تُطلب من الخارج .. بل تُربى في الداخل .

 

 

ابدأ ليلك بامتنان بسيط، مع صفحة من كتاب ورقي، ودعاءٍ خافت أو تأملٍ صامت . فإن للنفس أبوابًا لا تُفتح بالضغط، بل بالرفق . وغير عاداتك . فإن العقل لا ينام حتى يأمن، ولا يأمن حتى تُطفأ الانوار وتغلق النوافذ المثيرة التي لا حدود لها . ارحم نفسك . فأنت لست آلة، بل كائن من شعورٍ وفكر، يحتاج للسكينة كما يحتاج ألهواء . ولا تجعل من هاتفك وسادةً لعقلك فتُطيل سُهادك، وتقصر حياتك .

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف