حين يتوه القزم في ظلال الجبال

خميس, 09/18/2025 - 17:03

محمود الجاف

في زمنٍ اختلط فيه الضجيج بالحكمة، وارتفعت الأصوات النكرة على أنقاض الصمت العظيم، تُمنح بعض الكائنات الهامشية فرصة الصعود، لا استحقاقًا، بل لأن الساحة فرغت من القامات، فظهر الأقزام على أطراف المشهد، يصرخون في الفراغ، ويتوهمون أنهم ملأوا المكان .
رأينا كائنًا يلهث خلف الأضواء، يدّعي الفهم، ويتقمّص ثوب المستشار، كما لو أن هذا اللقب بات يُمنح لمن لفظته المجالس الرخيصة، وأقذر المنابر . يصرخ عاليًا، ظنًا أن الصوت المرتفع يمنحه عقلًا، ويتطاول على العراق ظنًا أن اللسان السليط يصنع له قيمة . يا للمسكين .
أيها الكائن المتطفل، العراق ليس شاشةً فارغة لتهذي بها عقدك، ولا هو وطنٌ عادي لتقذفه بجهلك كما تعبث الصراصير بخيوط الضوء . العراق فكرةٌ عصيّة، لا تفهمها العقول الصغيرة . هو التاريخ حين ينتفض، هو الأرض حين تغضب، هو الرجال حين يصمتون لتتكلم أفعالهم .
من أنت حتى تتجرأ؟
أتراك ظننت أن تجاوزك على الأسياد يمنحك رتبة؟
أم خُيّل إليك أن القفز على أكتاف العظماء يجعلك طويلاً؟
كل ما فيك صراخ فارغ، ضجيج مجاني، ومقامك لا يعلو عن كونه صدًى باهتًا لحقدٍ قديم وعقدة تاريخ لم ولن يُكتَب باسمك.
تدّعي أنك مستشار؟ يا للسخرية!
لقد أفرغت الكلمة من معناها حين نُطقت على لسانك . أنت لا تمثل عقلًا، بل تمثل سقوط العقل . يشبهك المنصب كما يشبه الخنجر لعبة بلاستيكية في يد طفلٍ غبي . وجودك في ساحة الفكر أشبه بدبوسٍ صدئ في صدر تمثال من ذهب، لا يؤذيه، بل يفضح قُبحه .
أما العراق، يا تافه، فلن ينشغل بأمثالك . إنه لا يحاكم الأقزام، بل يدهسهم وهو يتجه إلى مجده . لا يلتفت للعابرين الذين يحاولون لفت النظر، بل يتركهم في ظلال النسيان، حيث الصراخ لا يُسمع، وحيث القيمة تُقاس بالفعل، لا بالضجيج . ولو كنت تجهل التاريخ، ولا عتب على من يجهل، دعني أذكّرك بما تحاول حنجرتك المرتجفة طمسه:
من معركة ذي قار، حيث دَوّى صهيل العرب وانتصارهم على جيوش كسرى، إلى القادسية الأولى التي سقطت فيها سطوة الساسانيين، إلى القادسية الثانية التي كسرت فيها أحلام الهيمنة الطائفية تحت بساطيل الجنود ، كان العراق دومًا حاضرًا . لا خانعًا، ولا خاضعًا.
أتراك تظن أن أصواتكم تعلو على صوت الحضارة؟
العراق الذي خطّ ملحمة سومر وبابل وآشور، العراق الذي شيّد بغداد لتكون قبلة العقلاء، لن يهتز أمام جعجعة دمية فقدت خيوطها . صوتك صدًى مشوّش في وادٍ تسكنه الأسود، تعوي في الظل، وتتوهم أن الليل لك. ناسيًا أن فجر العراق لا يتأخر، وإن طال السكون .
ومن خلفك؟ أولئك الذين يحركونك كالدمى؟
فليعلموا إذًا أن العراق لا يُعادى، بل يُصبر عليه . وإن غضب، اجتاح، وإن أُهين، نهض . وإن نُسي، عاد بصوته الذي لا يُقهر .
يا هذا، اعلم جيدًا:
لسانك لا ينطق سُمًا، بل يقطر عجزًا. لا تهين هذا الشعب بكلماتك، بل تفضح بها قبحك . فالكلمة، حين تخرج من فم ملوّث، لا تصيب إلا قائلها . وأنت؟ أنت وهمٌ بائس في عقل مأزوم، لن تذكُره الأجيال إلا كفقاعةٍ في مستنقع .
العراق لا يُهان، بل يُغضب.
والعراقي لا يصرخ، بل يصبر، يترقّب، ثم يردُّ الردّ الذي لا يحتاج إلى شرح .
فابقَ في الظل، حيث وُجدت، واصرخ كما تشاء، فلن يسمعك أحد .
لأنك بكل بساطة . لا شيء

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف