ما هي نتائج أوهام القوة ؟

أربعاء, 07/02/2025 - 15:32

 

 

محمود الجاف

اوهام القوة : هي معتقدات خاطئة يتبناها الفرد أو الجماعة بشأن امتلاكهم قدرات أو نفوذ أو سلطة تفوق الواقع وغالبًا ما تؤدي إلى سلوكيات متعجرفة وقرارات متهورة وسوء تقدير للمواقف . في السياسة مثلا : دولة تعتقد أنها تستطيع السيطرة على العالم بينما الواقع عكس ذلك . هذا وهم قوة . وفي العلاقات الشخصية يعتقد احدهم مثلا أنه يملك تأثيراً كبيراً على الآخرين بينما لا احد يعيره اهتماماً . هذا أيضا وهم قوة . وفي علم النفس يُستخدم هذا المصطلح لوصف أعراض جنون العظمة (البارانويا ) حيث يشعر الشخص بأنه قوي أو مهم بشكل مبالغ فيه . 

ان تصديق الناس بالقوة الوهمية ونفوذ الشر هو نوع من الهروب من الذات والمسؤولية سواء عبر الشرائع والمذاهب المحرفة أو الآليات النفسية الدفاعية أو غياب الوعي الفلسفي . لكن ما الذي يدعو أتباع الشيطان الى الثقة بأنفسهم وبإيمانهم المنحرف وقوتهم هكذا ؟ .. بل يعتقدون انهم على الحق وان انتصارهم اكيد رغم انه أوهمهم أنهم متحررون من القيود بينما هم مكبلون من الداخل وأنهم أقوى لأنهم لا يخشون الله بينما الخوف منه هو مصدر القوة الحقيقية . دفعهم الى التمرد كأنه نوع من البطولة والتميز . لكنهم لايعلمون ان تلك الثقة مصدرها الكبرياء وليس اليقين . وهي سرعان ما تنهار عند أول امتحان لأن جذورها نفسية وليس روحية كما فعل هو عندما رفض السجود لآدم لأنه رأى نفسه أفضل وليس لأنه يملك حجّة . 

 

قد يُعطي طريق الشر صاحبه مكاسب مؤقتة (سلطة، متعة، مال) فيتوهم بأن النصر قريب وان زمام الأمور بيده عكس طريق الخير الذي يحتاج إلى صبر وتضحية . لكنه يغفل أن نهايته هي الهاوية مهما طال الزمن . انه الإغواء الذكي فالشيطان يقدّم نفسه على أنه المنقذ العارف أو المتمرد النبيل وهذه الصورة تزرع في أتباعه شعورًا بالانتماء رغم أنها مجرد قشرة سطحية . وكثير من الناس ينجذبون له لأنهم شعروا أن الاستقامة لم تنفعهم فيملأ لهم ذلك الفراغ بأجوبة سهلة . لكن ثقتهم به نابعة من خداع داخلي وغرور مؤقت ونتائج ظاهرية . وفي اللحظة الحاسمة تسقط الأقنعة وتضهر الحقيقة . مثل فرعون الذي كان من أكثر الطغاة اعتدادا بنفسه . يتحدى موسى عليه السلام ويستهزئ بآيات الله لانه يملك القوة العسكرية والسياسية والشيطان يغذّي فيه الشعور بأنه إله والناس من حوله يطيعونه مما عزز غروره . والنتيجة . هلك غرقا وأصبح عبرة :

 

قال تعالى ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ .. الاية 92 ) يونس

ان الثقة الحقيقية تنبع من الحق وليس من الكثرة أو القوة المبنية على الباطل المزيف الذي ترعرع في مستنقع الرذيلة تحت حماية الاوهام المزيفة التي تنفثها العقول النتنة في نفوس المغفلين . عندما يعيش الانسان في وهم القوة الشريرة التي تتحكم به فإنه يفقد القدرة على تقييم المواقف بموضوعية ويفشل في اتخاذ قرارات سليمة . مثل الذي يعتقد أن لديه جاذبية روحية ويُهمل التواصل مع الناس ويعتمد على تأثيره الساحر الوهمي فقط . 

 

ان بعض من يؤمنون بأوهام القوة يظنون أنهم فوق القانون والأخلاق فيبررون الظلم ويستغلون الناس بحجة أنهم مختارون أو مقدسون وهذا يخلق أنظمة فاسدة واستبدادية  نهايتها غالبًا ما تكون الانهيار المفاجئ . عسكريًا، اقتصاديًا، أو سياسيًا . فالوهم لا يصمد أمام الواقع . أو العزلة التي تؤدي إلى خسارة الحلفاء وتآكل العلاقات داخليًا وخارجيًا والوقوع في مطبات كارثية لانه يجعل الشخص أو النظام يتخذ قرارات مبنية على تقدير خاطئ للقدرات تقوده إلى مغامرات غير محسوبة تنتهي بهزائم كبيرة أو دمار ذاتي يعقبه فقدان شرعية أو انشقاقات وتمرد أو حتى سقوط النظام نفسه . مثل الاتحاد السوفييتي الذي انهار رغم المظهر القوي بسبب خلل هيكلي عميق ووهم القيادة بقوة الدولة .

 

من يتوهم أنه إمام كبير أو شخصية عظيمة مختارة قادر على كل شيء هو غالبًا مصاب بنوع من الاضطراب الذهاني وأوهام العظمة اذا اعتقد انه يملك قوى خارقة أو علمًا لا يملكه البشر . هذه الأوهام ناتجة عن خلل عقلي حاد . وقد يعاني من هلوسات (سمعية وأحيانًا بصرية ) وشعور مضطرب بالهوية والواقع . وأثناء النوبة قد يشعر أن لديه رسالة عظيمة في الحياة . 

لهذا عندما تجد نفسك مع أشخاص من هذا النوع عليك التحلي بالهدوء والثبات وعدم الدخول معهم في صراع مباشر أو تحدٍّ للهيمنة لانهم غالبًا ما يُفسرون أي اعتراض على أنه تهديد مع استخدام المنطق والتركيز على الحقائق وعدم مهاجمتهم . لان رؤية الواقع احيانا بشكل هادئ تكسر هذا الوهم تدريجيًا . كذلك ضع حدودًا واضحة ولا تسمح لهم بفرض السيطرة عليك . وكن حازمًا في حقوقك دون عدوانية لان التجاهل أحيانًا يكون أذكى فليس كل معركة تستحق القتال . وإذا لم يكن للشخص تأثيرا مباشرا عليك ولم تنجح كل الأساليب معه وكان يؤذيك نفسيًا أو يسيء استخدام سلطته فالانسحاب أو تقليل التواصل يصبح خيار عقلاني . 

 

أما التعامل مع الأنظمة التي لديها وهم القوة فلابد ان يكون بالذكاء لا بالعاطفة . لان مواجهة حكومة تعيش بهذه الحالة يتطلب تحالفات دولية فالصراع الفردي معها غير مجد والخطاب العاقل واستخدام الإعلام لكشف التناقض بين الوهم والحقيقة يكون مؤثرًا جدًا . كذلك الضغوط الاقتصادية والسياسية . رغم انها قد تعتمد أحيانًا على واجهة قوية لكنها هشة داخليًا . العقوبات، العزلة، أو سحب التعاون يمكن أن يُعيد التوازن . لان مثل هذه الحكومات غالبًا ما تبحث عن ذريعة لتبرير العنف أو القمع . الذكاء أن تُسقط انت هذه الذريعة . 

 

ان القوة الحقيقية لا تحتاج إلى الصراخ . أما وهم القوة فيحتاج دائمًا إلى استعراض . والتعامل معه يتطلب وعيًا وضبط النفس مع استراتيجية طويلة الأمد . سواء مع شخص أو حكومة . ولا تحارب الوهم بوهم آخر بل واجهه بالواقع والثقة والعمل الذكي . 

 

فلا تهنوا ولا تحزنوا وإسألوا كل طاغية اين اقرانه الذين ظنّوا أنفسهم أقوياء ثم أهلكهم الله وتركهم عبرة ؟ ..

 

أين النمرود أو قارون وأبرهة الحبشي ونيرون الروماني وهولاكو سفّاح بغداد وشاوشيسكو وأمثالهم .. كلهم ظنوا أن قوتهم تحميهم فكانت نهايتهم عبرةً للعالم .

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف