
طلال أبوغزاله
منذ أوقد الكيان الغاصب نار الحرب قبل عامين قلت وما زلت أقول، بيقين لا يتزعزع، إن غزة أطفأتها وستنتصر؛ قد يستغرب البعض هذا الحكم في ظل موازين القوى المادية المختلة، لكن التاريخ له منطقه الخاص الذي يتجاوز حسابات الحقد وآلة القتل والعتاد.
لم أسمع في حياتي عن جيش نظامي، بكل ما أوتي من قوة وتكنولوجيا وجسور جوية داعمة، استطاع أن يصمد لعامين متواصلين وهو تحت حصار خانق فكيف إذاً بشعب أعزل، محاصر منذ 18 عاما براً وبحراً وجواً، يعاني نقص الغذاء والدواء والماء، ويقاوم ببسالة لعامين كاملين.
إن لم يكن هذا الصمود الأسطوري هو الانتصار بعينه، فما هو تعريف الانتصار إذن؟ إن الانتصار ليس مجرد رفع راية على أنقاض مدينة، بل هو كسر إرادة الخصم وإفشال أهدافه وها هي إرادة غزة لم تُكسر، وأهداف المجرم نتنياهو تبخرت في رمالها.
لذلك، أدعو جميع المهللين والمتخاذلين الذين راهنوا على حلم مجرم الحرب نتنياهو بـ "النصر المطلق"، أن يدركوا الحقيقة المرة التي تتكشف يوماً بعد يوم.
الاحتفال الذي ينتظرنا ليس احتفالاً بانتصار العدو، بل هو احتفال مزدوج: احتفال بالفشل الذريع للمجرم نتنياهو، والأهم من ذلك، احتفال ببداية نهاية الاحتلال الذي طال أمده.
لقد أثبتت غزة أن الاحتلال لم يعد مشروعاً قابلاً للحياة وأن العالم الذي تعاطف ذات يوم مع الرواية الصهيونية، وقبل بوجود هذا الكيان تحت ذريعة "شعب بلا وطن"، مستغلاً كرم العرب وطيبتهم التاريخية، يرى اليوم وجهاً آخر لهذا الكيان الغاصب.
جرائم الحرب، والتجويع الممنهج، وتدمير المستشفيات والجامعات، كلها مشاهد تُبث على الهواء مباشرة، لتكشف عن وحشية لم يشهدها التاريخ الحديث بهذه الصورة الفاضحة.
لقد تحولت الكيان الغاصب من صورة حاولوا تسويقها "المعجزة الديمقراطية في الشرق الأوسط" إلى عبء أخلاقي وسياسي على العالم الغربي نفسه، الذي يجد نفسه متورطاً في دعم آلة قتل لا يمكن تبرير أفعالها.
2 / 2
وعليه لم يعد خصم المجرم نتنياهو اليوم المقاومة البطلة في غزة فحسب، بل نصب نفسه عدواً للعالم أجمع هو يتحدى قرارات مجلس الأمن، ويسخر من أوامر محكمة العدل الدولية، ويتجاهل تحذيرات أقرب حلفائه في واشنطن ولندن وباريس.
لقد تجسدت فيه مقولة "من أمن العقوبة أساء الأدب"، لكن يبدو أن زمن الحصانة المطلقة قد ولى، وأن صبر العالم قد نفد ولا أظن أن المجتمع الدولي، بكل مؤسساته وقواه الفاعلة، سيقف مكتوف الأيدي ليسمح لنزوات ورغبات مجرم بتحديد مصير منطقة بأكملها.
هذا المجرم المختل وهو يرسم خرائط القتل والدمار والتشريد، لا يرسم مستقبلاً لكيانه اللقيط، بل يرسم نهايته السياسية ونهاية مشروعه، وكما قال نابليون بونابرت بحكمته العسكرية والسياسية: "عندما يدور رأس الإنسان بغرور النجاح، يكون هذا الإنسان قد وصل إلى الفشل" وها هو رأس المجرم نتنياهو يدور بغرور القوة، معلناً عن فشل استراتيجي مدوٍ، سيشهد عليه العالم أجمع.
