هل تصاب الشعوب بالامراض النفسية ؟

اثنين, 05/26/2025 - 20:06

 

 

محمود الجاف

 

 

ما الذي يجري لأمتنا ؟

 

وما السر في تقبل هذا الذل؟ هل يعني ذلك أنهم راضون ؟ أم انها نتيجة لمجموعة من الأسباب المعقدة التي قد يكون احدها التطبيع مع القمع، فقد اعتادوا على الظلم مع الوقت حتى اصبح جزءا من حياتهم اليومية وليس شيئا استثنائياً مما اضعف لديهم إرادة التغيير . ورغم القتل والفساد وكل ما يجري في عالمنا وخصوصا فلسطين لا احد يهتم وكانها حالة طبيعية . فالعجز المُتعلَّم هو مفهوم نفسي يشير إلى انهم بعد التجارب المتكررة من الفشل يتوقفون عن المحاولة وقد يعتقدون ان الاستقرار أهم من الكرامة. خصوصا بعد سيطرة الحاكم على التعليم والإعلام لتبرير الظلم وخلق شعور انه المنقذ وان العدو الدائم موجود خارج البلد. وشيئا فشيئا نشأت أجيال لا تدرك حتى أنها تعيش في وضع غير طبيعي. وعندما يُقابل أي صوت معارض بالسجن أو التصفية فإن الخوف يصبح أقوى من الحرية أحيانًا. والبقاء على قيد الحياة يحظى بالاولوية خصوصا بعد ان تم تقسيم المجتمع إلى طوائف وطبقات وصار من الصعب على الناس الاتحاد، فكل مجموعة تخاف من الأخرى أو تُحمّلها مسؤولية ما حدث  .

 

والسؤال الان هو : هل يمكن أن تكون شعوبنا قد اصيبت باضطرابات نفسية جماعية ؟

 

الجواب : نعم، هي مصابة على مستوى الأفراد والجماعات نتيجة الحروب والتفجيرات والعمليات الانتحارية والاستبداد أو القمع السياسي والاختطاف او الاغتيالات والفقر والبطالة والتغيرات الثقافية أو فقدان الهوية والإعلام السلبي المضلل والانهيارات الاقتصادية. وأبرز هذه الامراض هو : القلق الجماعي الذي يحدث نتيجة انتشار مشاعر الخوف، كما جرى خلال جائحة كورونا، او الاكتئاب المجتمعي الذي يتمثل في انخفاض الأمل وزيادة معدلات الانتحار أو العزلة. وكذلك اضطراب ما بعد الصدمة الذي حصل نتيجة الضربات العنيفة والإبادات الجماعية كما جرى في ( الموصل والحويجة او جامع سارية ومصعب ابن عمير في محافظة ديالى وغيرها ) أو النزوح القسري كما حصل في ( جسر بزيبز وجرف الصخر وباقي المحافظات ) والحرب الأهلية التي عشناها ودخل تأثيرها الى كل بيت. وكذلك الهلع الأخلاقي الذي يرى فيه سلوك معين على أنه تهديد للقيم غالبًا ما يكون مدفوعا من المؤسسات الدينية أو السياسية. أو الإرهاق المجتمعي الذي ينتج عن الضغط المستمر على حياة الناس. وهناك أمثلة واقعية لهذه الظواهر منها ما جرى في أوروبا في القرن الرابع عشر في بعض المدن حيث بدأ المئات من الناس يرقصون بشكل هستيري لعدة أيام حتى انهار الكثير منهم أو مات في ما سمي حينها هستيريا الرقص . كذلك ما جرى للشعب الرواندي بعد الإبادة الجماعية (1994) التي راح ضحيتها أكثر من 800,000 شخص . وفي الولايات المتحدة ايضا خلال الكساد العظيم (1930 ) فقد تسببت البطالة الجماعية بموجة من الاكتئاب والانتحار . وما نراه من انحرافات فكرية وسلوكية خطيرة في مجتمعاتنا اليوم يفسر شكل الحالة ومدى تفاقمها فكل ما ذكرناه واكثر ذاقته شعوبنا واخطرها الابعاد او التهجير.

 

 

هل تعرفون حجم التأثير والالم الذي يعانيه الانسان جراء ذلك ؟

 

قال تعالى في سورة المائدة : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33 ) لاحظوا العقوبات في البداية ثم تبعها الخروج من الديار .. لهذا، عندما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قاصدًا المدينة . نظر إليها ثم قال : "والله إنى لأخرج منك، وإنى لأعلم أنك أحب أرض الله إلى الله، وأكرمها على الله .. ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت" كان وداعًا يقطر حبًا ويفيض حسرة وأسى. فالعلاقة بالارض شيء مهم جدا في حياة الانسان ولهذا قال الشاعر الذي يصف بنتا تزوجت بعيدا عن ديارها :

 

وماذنب أعرابية

 

قذفت بها صروف النوى

 

من حيث لم تك ظنتِ

 

تمنت أحاديث الرعاة وخيمة

 

بنجد فلم يكتب لها ماتمنتِ

 

إذا ذكرت ماء العذيب وطيبة

 

وبرد حصاة آخر الليل حنتِ

 

لها أنة عند المساء وأنة

 

سحيرا ولولا أنتاها لجنتِ

 

 

وعليه، عندما ينتهي هذا الكابوس، لابد من البدء بالتدخلات النفسية والاجتماعية الجماعية التي يجب ان يكون اولها التقييم الشامل من اجل معرفة حجم المشكلة ومدى انتشارها عبر دراسات ميدانية واستطلاعات، ثم تشخيص طبيعة الاضطرابات، وتأتي بعدها برامج الدعم الانساني ومنها تدريب قادة المجتمع واهمهم المعلمين والأطباء على تقديم الرعاية النفسية ألاولية اضافة الى نشر التوعية من خلال الإعلام والمدارس ودور العبادة والمؤسسات الرسمية، ومواجهة الشائعات والمعلومات المضللة التي تؤجج القلق أو الذعر . وكذلك توفير خدمات الصحة النفسية مع جلسات جماعية أو فردية. ويمكن استخدام الفن والثقافة وتعزيز الأمل من خلال الأنشطة ونشر الطمأنينة ومعالجة الأزمات التي تسببت في الاضطرابات ( فقر، عنف، ظلم، غياب العدالة )

 

 

ايتها الاخوات والاخوة العاملون بشتى الوسائل على انقاذ شعبكم.. عليكم اولا ان توحدوا الراية والغاية وتعودوا كما بداتم من البداية والا ستكتبون لبلدكم وحياتكم ومستقبلكم بايديكم النهاية. واعملوا هيئة للاعلام تديروها جميعكم وبكل اللغات لتفهم الدنيا كلها ما الذي يجري في بلدانكم وليس الناطقين باللغة العربية فقط. وبدل ان يؤسس كل منكم جبهة وتساهموا في اضعاف بعضكم البعض بل التنكيل والطعن والتشكيك الذي انتشر بشكل مخيف، التفّوا جميعا حول قيادة وتنظيم واحد كما فعل الايرانيون في ( المجلس الوطني للمقاومة ) لتصبحوا اكثر قوة وهيبة وتجبروا العالم على احترامكم والتعامل معكم.

 

فمن نحن الان لينتبهوا الينا؟

 

بل ان حتى شعبنا نفسه لن يثق بنا..

 

كثيرون الان يتمنون بقاء الولايات المتحدة في المنطقة ويحلمون ان تساهم في تغيير الحكم رغم كل ما فعلته بنا قبل الاحتلال وبعده .

 

 

من الذي قاد هذا التغيير الفكري الكبير والخطير عندنا ولماذا ؟

 

نحن نعرف ان كل ما جرى كان مخططاً له ومدروساً بعناية بين الصهيونية العالمية وعمائم الشياطين التي اطلقت ايادي جرائها قتلا ونهبا وتدميرا حتى وصلنا الى هذا الحال واخيرا سترميها في مزبلة التاريخ مهما تنازلت فقد انتهت مهمتها وعليها الرحيل بعد ان اكتمل الواجب واصبح المنقذ للاسف هو الرئيس الامريكي .. لقد حاولوا استغلال التَّوجُّه الديني واتَّخذوا أكذوبة موالات آل البيت حجَّة للتَّنكيل بكلِّ من هو مُسلم وعربي. دفعوا بنا الى حروب دامية ادَّعوا أنها من أجل القدس التي ضيعوها وضيعوا أراضينا وقبلها الأحواز ومُستقبلنا وحاضرنا وماضينا وهجَّروا أهلها وأهلينا ولم يعد لنا شيئا ولافينا حتى فقدنا كل بلداننا وليس فقط فلسطينا . وكلما تقدمنا شبرًا تراجعنا ملايينا.

 

لو فكرتم في كلام ترامب عن الرئيس السوري الجديد ( احمد الشرع ) ستفهمون الحلول لكل مشاكل المنطقة . انها لغة القوة فقد قال في دولة قطر : " التقيت بالزعيم الجديد للبلاد (سوريا) ولديه ماضٍ قوي . أعتقد أنه سيكون ممثلًا رائعًا وسنرى". ثم قال : "يجب أن يكون لديك ماضٍ قوي لتنجح في ذلك . لا يمكنك أن تكون شخصًا ضعيفًا . إذا كنت شخصًا ضعيفًا، فسنضيع الوقت فحسب . لذا فهو رجل قوي وأعتقد أنه جيد ولنرى ما سيحدث . لكننا سنمنحه فرصة للصمود من خلال رفع العقوبات ".

 

اما الجامعة العبرية فرغم كل الدمار والمآسي التي حصلت في العراق قال امينها العام في مؤتمر القمة بعد ان ملئت الجيوب التي غطت العيوب : ما شهدناه في بغداد يعكس تعافيها . وسؤالي له : هل سألت عن عدد المهجرين والمهاجرين ؟ .. هل التقيت بالناس وعرفت حقيقة حالهم وحياتهم ؟ .. هل تعرف ان الذي تبرع امامك بملايين الدولارات اغلب ابناء شعبه يعيشون خارج البلد او في خيام داخله على مسافات قريبة من بيوتهم التي لايمكنهم دخولها منذ سنوات . هل تعرف عدد الفقراء الذين يتسولون في الطرقات او ياكلون من القمامة ؟ ..

 

هل سألت عن عدد المغيبين والارامل واليتامى والمعتقلين ؟

 

 

قال الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد :

 

 

عجبٌ سكوتُكَ.. واحتمالُكَ أعجبُ..

 

انتَ العراقُ! إلى متى لاتغضبُ؟!

 

أنت العراقُ! إلى متى تحني القَفا؟؟

 

عمرُ العراقِ رجالُهُ ماحدّبوا!

 

ثكلتني أميَ إن تكُن أنتَ الذي..

 

بالأمسِ أعرفهُ الرهيبُ الأهيبُ!

 

ولان السياسيون المجرمون غالبًا يملكون أدوات إعلامية ضخمة للتحكم في الصورة الذهنية عنهم أو تشويه خصومهم، سيظل الناس يتلقون رسائل مشوهة أو موجهة تدعمهم . كذلك توجد في بعض المجتمعات عادة انتخاب نفس الأشخاص أو العائلات أو الأحزاب بسبب الولاء القبلي أو الطائفي . كما انهم يبنون علاقات مصالح وشبكات قوية تجعل الناس تعتمد عليهم في أمور حياتية كالتوظيف أو الخدمات مما يجعلهم يكررون انتخابهم . وهم يعلمون جيدا ان الناس مرضى ومحتاجين ولهذا يستغلونهم وهكذا تستمر اللعبة حتى يأذن الله وياتي الرجل الرشيد الذي يكسر القيود ويحرر العبيد ويحول حياتنا الى عيد جديد ..

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف